نفسه، من أنه لله عبد كسائر عبيده من أهل الأرض إلا ما كان الله جل ثناؤه خصه به من النبوة والحجج التي آتاه دليلا على صدقه، كما آتي سائر المرسلين غيره من الاعلام والأدلة على صدقهم، والحجة على نبوتهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) * يعني بقوله جل ثناؤه: * (فلما أحس عيسى منهم الكفر) * فلما وجد عيسى منهم الكفر. والاحساس: هو الوجود، ومنه قول الله عز وجل: * (هل تحس منهم من أحد) *.
فأما الحس بغير ألف، فهو الافناء والقتل، ومنه قوله: * (إذ تحسونهم بإذنه) * والحس أيضا: العطف والرقة. ومنه قول الكميت:
هل من بكى الدار راج أن تحس له * أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل يعني بقوله: أن تحس له: أن ترق له.
فتأويل الكلام: فلما وجد عيسى من بني إسرائيل الذين أرسله الله إليهم جحودا لنبوته، وتكذيبا لقوله، وصدا عما دعاهم إليه من أمر الله، قال: * (من أنصاري إلى الله) * يعني بذلك: قال عيسى: من أعواني على المكذبين بحجة الله، والمولين عن دينه، والجاحدين نبوة نبيه إلى الله عز وجل، ويعني بقوله * (إلى الله) *: مع الله، وإنما حسن أن يقال إلى الله، بمعنى: مع الله، لان من شأن العرب إذا ضموا الشئ إلى غيره، ثم أرادوا الخبر عنهما بضم أحدهما مع الآخر إذا ضم إليه جعلوا مكان مع إلى أحيانا، وأحيانا تخبر عنهما بمع، فتقول الذود إلى الذود إبل، بمعنى: إذا ضممت الذود إلى الذود صارت إبلا، فأما إذا كان الشئ مع الشئ لم يقولوه بإلى ولم يجعلوا مكان مع إلى غير جائز أن يقال:
قدم فلان وإليه مال، بمعنى: ومعه مال.