وأما قوله: * (والله بما تعملون عليم) * فإنه يعني بما تعملون في شهادتكم من إقامتها والقيام بها أو كتمانكم إياها عند حاجة من استشهدكم إليها، وبغير ذلك من سرائر أعمالكم وعلانيتها، * (عليم) * يحصيه عليكم ليجزيكم بذلك كله جزاءكم، إما خيرا، وإما شرا على قدر استحقاقكم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير) * يعني جل ثناؤه بقوله: * (لله ما في السماوات وما في الأرض) * لله ملك كل ما في السماوات وما في الأرض من صغير وكبير، وإليه تدبير جميعه، وبيده صرفه وتقليبه، لا يخفى عليه منه شئ، لأنه مدبره ومالكه ومصرفه. وإنما عنى بذلك جل ثناؤه: كتمان الشهود الشهادة، يقول: لا تكتموا الشهادة أيها الشهود، ومن يكتمها يفجر قلبه، ولن يخفى علي كتمانه، وذلك لأني بكل شئ عليم، وبيدي صرف كل شئ في السماوات والأرض وملكه، أعلمه خفي ذلك وجليه، فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة.
وعيدا من الله بذلك من كتمها وتخويفا منه له به. ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم، وبمن كان من نظرائهم ممن انطوى كشحا على معصية فأضمرها، أو أظهر موبقة فأبداها من نفسه من المحاسبة عليها، فقال: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) * يقول: وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حق رب المال الجحود والانكار، أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم وغير ذلك من سيئ أعمالكم، * (يحاسبكم به الله) * يعني بذلك: يحتسب به عليه من أعماله، فيجازي من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله، وغافر منكم لمن شاء من المسيئين.
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * فقال بعضهم بما قلنا من أنه عنى به الشهود في كتمانهم الشهادة، وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها. ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو نفيل، عن