بنبوة محمد (ص)، ومعني تذكيرهم ما كان الله آخذا على آبائهم وأسلافهم من المواثيق والعهود، وما كانت أنبياء الله عرفتهم وتقدمت إليهم في تصديقه واتباعه ونصرته على من خالفه، وكذبه، وتعريفهم ما في كتب الله التي أنزلها إلى أنبيائه التي ابتعثهم إليهم من صفته وعلامته. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) * اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز من مكة والمدينة وقراء الكوفة: أفغير دين الله تبغون، وإليه ترجعون، على وجه الخطاب. وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز: * (أفغير دين الله يبغون... وإليه يرجعون) * بالياء كلتيهما على وجه الخبر عن الغائب. وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: * (أفغير دين الله يبغون) * على وجه الخبر عن الغائب، وإليه ترجعون بالتاء، على وجه المخاطبة.
وأولى ذلك بالصواب قراءة من قرأ: أفغير دين الله تبغون على وجه الخطاب وإليه ترجعون بالتاء، لان الآية التي قبلها خطاب لهم، فاتباع الخطاب نظيره أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره، وإن كان الوجه الآخر جائزا لما قد ذكرنا فيما مضى قبل من أن الحكاية يخرج الكلام معها أحيانا على الخطاب كله، وأحيانا على وجه الخبر عن الغائب، وأحيانا بعضه على الخطاب، وبعضه على الغيبة، فقوله: تبغون... وإليه ترجعون في هذه الآية من ذلك.
وتأويل الكلام: يا معشر أهل الكتاب: أفغير دين الله تبغون يقول: أفغير طاعة الله تلتمسون وتريدون * (وله أسلم من في السماوات والأرض) * يقول: وله خشع من في السماوات والأرض، فخضع له بالعبودية، وأقر له بإفراد الربوبية، وانقاد له بإخلاص التوحيد والألوهية * (طوعا وكرها) * يقول: أسلم لله طائعا، من كان إسلامه منهم له طائعا، وذلك كالملائكة والأنبياء والمرسلين، فإنهم أسلموا لله طائعين، وكرها من كان منهم كارها.
واختلف أهل التأويل في معنى إسلام الكاره الاسلام، وصفته، فقال بعضهم:
إسلامه: إقراره بأن الله خالقه وربه، وإن أشرك معه في العبادة غيره. ذكر من قال ذلك: