القول في تأويل قوله تعالى: * (وما يذكر إلا أولوا الألباب) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: وما يتذكر ويتعظ وينزجر عن أن يقول في متشابه آي كتاب الله ما لا علم له به إلا أولو العقول والنهى. وقد:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (وما يذكر إلا أولوا الألباب) * يقول: وما يذكر في مثل هذا، يعني في رد تأويل المتشابه إلى ما قد عرف من تأويل المحكم حتى يتسقا على معنى واحد، إلا أولو الألباب.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) * يعني بذلك جل ثناؤه: أن الراسخين في العلم يقولون: آمنا بما تشابه من آي كتاب الله، وأنه والمحكم من آية من تنزيل ربنا ووحيه، ويقولون أيضا: * (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) * يعني أنهم يقولون رغبة منهم إلى ربهم، في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه آي القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الذي لا يعلمه غير الله، يا ربنا لا تجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الحق فصدوا عن سبيلك، * (لا تزغ قلوبنا) * لا تملها فتصرفها عن هداك * (بعد إذ هديتنا) * له، فوفقتنا للايمان بمحكم كتابك ومتشابهه، * (وهب لنا) * يا ربنا * (من لدنك رحمة) * يعني من عندك رحمة، يعني بذلك: هب لنا من عندك توفيقا وثباتا للذي نحن عليه، من الاقرار بمحكم كتابك ومتشابهه، * (إنك أنت الوهاب) * يعني: إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد، للثبات على دينك، وتصديق كتابك ورسلك. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) * أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأجسادنا، * (وهب لنا من لدنك رحمة) *.
وفي مدح الله جل ثناؤه هؤلاء القوم بما مدحهم به من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم، وأن يعطيهم رحمة منه معونة لهم للثبات على ما هم عليه من حسن البصيرة بالحق