حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: * (يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله) * قال: فإنه وجد عندها الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد، فكان زكريا يقول: يا مريم أنى لك هذا؟
وأما قوله: * (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) * فخبر من الله أنه يسوق إلى من يشاء من خلقه رزقه بغير إحصاء ولا عدد يحاسب عليه عبده، لأنه جل ثناؤه لا ينقص سوقه ذلك إليه، كذلك خزائنه، ولا يزيد إعطاؤه إياه، ومحاسبته عليه في ملكه، وفيما لديه شيئا، ولا يعزب عنه علم ما يرزقه، وإنما يحاسب من يعطي ما يعطيه من يخشى النقصان من ملكه، بخروج ما خرج من عنده بغير حساب معروف ومن كان جاهلا بما يعطى على غير حساب.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) * أما قوله: * (هنالك دعا زكريا ربه) * فمعناه: عند ذلك، أي عند رؤية زكريا ما رأى عند مريم من رزق الله الذي رزقها، وفضله الذي آتاها من غير تسبب أحد من الآدميين في ذلك لها، ومعاينته عندها الثمرة الرطبة التي لا تكون في حين رؤيته إياها عندها في الأرض، طمع في الولد مع كبر سنه من المرأة العاقر، فرجا أن يرزقه الله منها الولد مع الحال التي هما بها، كما رزق مريم على تخليها من الناس ما رزقها، من ثمرة الصيف في الشتاء، وثمرة الشتاء في الصيف، وإن لم يكن مثله مما جرت بوجوده في مثل ذلك الحين العادات في الأرض، بل المعروف في الناس غير ذلك، كما أن ولادة العاقر غير الامر الجارية به العادات في الناس، فرغب إلى الله جل ثناؤه في الولد، وسأله ذرية طيبة. وذلك أن أهل بيت زكريا فيما ذكر لنا، كانوا قد انقرضوا في ذلك الوقت. كما:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلما رأى زكريا من حالها ذلك يعني فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، قال: إن ربا أعطاها هذا في غير حينه، لقادر على أن يرزقني ذرية طيبة. ورغب في الولد، فقام فصلى، ثم دعا ربه سرا، فقال: * (رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني