وصفهم بكفر بعد إيمان، فلم يتقدم ذلك الايمان كفر كان للايمان لهم توبة منه، فيكون تأويل ذلك على ما تأوله قائل ذلك، وتأويل القرآن على ما كان موجودا في ظاهر التلاوة إذا لم تكن حجة تدل على باطن خاص أولى من غيره وإن أمكن توجيهه إلى غيره.
وأما قوله: * (وأولئك هم الضالون) * فإنه يعني بذلك: وهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرا، هم الذين ضلوا سبيل الحق، فأخطأوا منهجه، وتركوا منصف السبيل وهدى الله الدين حيرة منهم وعمى عنه. وقد بينا فيما مضى معنى الضلال بما فيه الكفاية. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين) * يعني بذلك جل ثناؤه: * (إن الذين كفروا) * أي جحدوا نبوة محمد (ص)، ولم يصدقوا به، وبما جاء به من عند الله من أهل كل ملة يهودها ونصاراها ومجوسها وغيرهم. * (وماتوا وهم كفار) * يعني: وماتوا على ذلك من جحود نبوته، وجحود ما جاء به. * (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) * يقول: فلن يقبل ممن كان بهذه الصفة في الآخرة جزاء ولا رشوة على ترك عقوبته على كفره، ولا جعل على العفو عنه، ولو كان له من الذهب قدر ما يملأ الأرض من مشرقها إلى مغربها، فرشا وجزى على ترك عقوبته وفي العفو عنه على كفره عوضا مما الله محل به من عذابه، لان الرشا إنما يقبلها من كان ذا حاجة إلى ما رشي، فأما من له الدنيا والآخرة، فكيف يقبل الفدية، وهو خلاق كل فدية افتدى بها مفتد عن نفسه أو غيره؟ وقد بينا أن معنى الفدية، العوض والجزاء من المفتدى منه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. ثم أخبر عز وجل عما لهم عنده، فقال: * (أولئك) * يعني:
هؤلاء الذين كفروا وماتوا وهم كفار، * (لهم عذاب أليم) * يقول: لهم عند الله في الآخرة عذاب موجع، * (وما لهم من ناصرين) * يعني: وما لهم من قريب ولا حميم ولا صديق ينصره، فيستنقذه من الله ومن عذابه، كما كانوا ينصرونه في الدنيا على من حاول أذاه ومكروهه. وقد: