* (وما يضلون إلا أنفسهم) *: وما يهلكون بما يفعلونه من محاولتهم صدكم عن دينكم أحدا غير أنفسهم، يعني بأنفسهم: أتباعهم وأشياعهم على ملتهم وأديانهم، وإنما أهلكوا أنفسهم وأتباعهم بما حاولوا من ذلك لاستيجابهم من الله بفعلهم ذلك سخطه، واستحقاقهم به غضبه ولعنته، لكفرهم بالله، ونقضهم الميثاق الذي أخذ الله عليهم في كتابهم في اتباع محمد (ص) وتصديقه، والاقرار بنبوته. ثم أخبر جل ثناءه عنهم أنهم يفعلون ما يفعلون، من محاولة صد المؤمنين عن الهدى إلى الضلالة، والردى على جهل منهم، بما الله بهم محل من عقوبته، ومدخر لهم من أليم عذابه، فقال تعالى ذكره: * (وما يشعرون) * أنهم لا يضلون إلا أنفسهم بمحاولتهم إضلالكم أيها المؤمنون، ومعنى قوله: * (وما يشعرون) *: وما يدرون ولا يعلمون، وقد بينا تأويل ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فأغنى ذلك عن إعادته.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (يأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) * يعني بذلك جل ثناؤه: * (يا أهل الكتاب) * من اليهود والنصارى، * (لم تكفرون) * يقول: لم تجحدون * (بآيات الله) * يعني: بما في كتاب الله، الذي أنزله إليكم، على ألسن أنبيائكم من آية وأدلته، * (وأنتم تشهدون) * أنه حق من عند ربكم. وإنما هذا من الله عز وجل توبيخ لأهل الكتابين على كفرهم بمحمد (ص)، وجحودهم نبوته، وهم يجدونه في كتبهم مع شهادتهم أن ما في كتبهم حق، وأنه من عند الله. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) * يقول: تشهدون أن نعت محمد نبي الله (ص) في كتابكم، ثم تكفرون به وتنكرونه، ولا تؤمنون به وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل، النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته.
حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) * يقول: تشهدون أن نعت محمد في كتابكم، ثم تكفرون به ولا تؤمنون به، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل النبي الأمي.
حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (يا أهل