من عند الله، والدلائل بصحة ذلك. * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * يقول: والله لا يوفق للحق والصواب الجماعة الظلمة، وهم الذين بدلوا الحق إلى الباطل، فاختاروا الكفر على الايمان. وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى الظلم، وأنه وضع الشئ في غير موضعه بما أغنى عن إعادته. * (أولئك جزاؤهم) * يعني: هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، وبعد أن شهدوا أن الرسول حق، * (جزاؤهم) * ثوابهم من عملهم الذي عملوه، * (أن عليهم لعنة الله) * يعني أن حل بهم من الله الاقصاء والبعد، ومن الملائكة والناس إلا مما يسوءهم من العقاب * (أجمعين) * يعني من جميعهم: لا من بعض من سماه جل ثناؤه من الملائكة والناس، ولكن من جميعهم، وإنما جعل ذلك جل ثناؤه ثواب عملهم، لان عملهم كان بالله كفرا. وقد بينا صفة لعنة الناس الكافر في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.
* (خالدين فيها) * يعني: ماكثين فيها، يعني: في عقوبة الله. * (لا يخفف عنهم العذاب) * لا ينقصون من العذاب شيئا في حال من الأحوال ولا ينفسون فيه. * (ولا هم ينظرون) * يعني: ولا هم ينظرون لمعذرة يعتذرون، وذلك كله: أعني الخلود في العقوبة في الآخرة.
ثم استثنى جل ثناؤه الذين تابوا من هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، فقال تعالى ذكره: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) * يعني: إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم، فراجعوا الايمان بالله وبرسوله، وصدقوا بما جاءهم به نبيهم (ص) من عند ربهم.
* (وأصلحوا) * يعني: وعملوا الصالحات من الأعمال. * (فإن الله غفور رحيم) * يعني فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره * (غفور) * يعني: ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الردة، فتارك عقوبته عليه، وفضيحته به يوم القيامة، غير مؤاخذه به إذا مات على التوبة منه، رحيم متعطف عليه بالرحمة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون) * اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى الله عز وجل بقوله: * (إن الذين كفروا) * أي ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد (ص) بعد إيمانهم. * (ثم ازدادوا كفرا) * بكفرهم بمحمد. * (لن تقبل توبتهم) * عند حضور الموت وحشرجته بنفسه. ذكر من قال ذلك: