الانباء ولم تشهدها، ولم تكن معهم يوم فعلوا هذه الأمور، ولست ممن قرأ الكتب فعلم نبأهم، ولا جالس أهلها فسمع خبرهم. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (وما كنت لديهم إذ يختصمون) * أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها يخبره بخفي ما كتموا منه من العلم عندهم، لتحقيق نبوته والحجة عليهم، لما يأتيهم به مما أخفوا منه.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) * يعني بقوله جل ثناؤه: * (إذ قالت الملائكة) * وما كنت لديهم إذ يختصمون، وما كنت لديهم أيضا إذ قالت الملائكة: يا مريم إن الله يبشرك. والتبشير: إخبار المرء بما يسره من خبر. وقوله: * (بكلمة منه) * يعني: برسالة من الله، وخبر من عنده، وهو من قول القائل:
ألقى فلان إلي كلمة سرني بها، بمعنى: أخبرني خبرا فرحت به، كما قال جل ثناؤه:
* (وكلمته ألقاها إلى مريم) * يعني بشرى الله مريم بعيسى ألقاها إليها.
فتأويل الكلام: وما كنت يا محمد عند القوم إذ قالت الملائكة لمريم: يا مريم إن الله يبشرك ببشرى من عنده، هي ولد لك، اسمه المسيح عيسى ابن مريم.
وقد قال قوم، وهو قول قتادة: إن الكلمة التي قال الله عز وجل بكلمة منه، هو قوله:
كن.
حدثنا بذلك الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: * (بكلمة منه) * قال: قوله: كن.
فسماه الله عز وجل كلمته، لأنه كان عن كلمته، كما يقال لما قدر الله من شئ: هذا قدر الله وقضاؤه، يعني به: هذا عن قدر الله وقضائه حدث، وكما قال جل ثناؤه: * (وكان أمر الله مفعولا) * يعني به: ما أمر الله به، وهو المأمور الذي كان عن أمر الله عز وجل.