كان نداء من غير الملائكة، فقال: * (رب أنى يكون لي غلام) * مستثبتا في أمره لتقرر عنده بآية، يريه الله في ذلك أنه بشارة من الله على ألسن ملائكته، ولذلك قال: * (رب اجعل لي آية) *. وقد يجوز أن يكون قيله ذلك مسألة منه ربه: من أي وجه يكون الولد الذي بشر به، أمن زوجته فهي عاقر، أم من غيرها من النساء؟ فيكون ذلك على غير الوجه الذي قاله عكرمة والسدي، ومن قال مثل قولهما.
القول في تأويل قوله تعالى: * (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) *.
يعني جل ثناؤه بقوله: * (كذلك الله) * أي هو ما وصف به نفسه، أنه هين عليه أن يخلق ولدا من الكبير الذي قد يئس من الولد، ومن العاقر التي لا يرجى من مثلها الولادة، كما خلقك يا زكريا من قبل خلق الولد منك ولم تك شيئا، لأنه الله الذي لا يتعذر عليه خلق شئ أراده، ولا يمتنع عليه فعل شئ شاءه، لان قدرته القدرة التي لا يشبهها قدرة. كما:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال:
* (كذلك الله يفعل ما يشاء) * وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار) * يعني بذلك جل ثناؤه خبرا عن زكريا، قال زكريا: يا رب إن كان هذا النداء الذي نوديته، والصوت الذي سمعته صوت ملائكتك، وبشارة منك لي، فاجعل لي آية! يقول:
علامة أن ذلك كذلك، ليزول عني ما قد وسوس إلي الشيطان فألقاه في قلبي، من أن ذلك صوت غير الملائكة، وبشارة من عند غيرك. كما:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (قال رب اجعل لي آية) * قال: قال - يعني زكريا -: يا ربي فإن كان هذا الصوت منك، فاجعل لي آية.
وقد دللنا فيما مضى على معنى الآية، وأنها العلامة، بما أغنى عن إعادته.
وقد اختلف أهل العربية في سبب ترك العرب همزها، ومن شأنها همز كل ياء جاءت