القول في تأويل قوله تعالى:
* (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * يعني جل ثناؤه بقوله: * (فلما وضعتها) * فلما وضعت حنة النذيرة، ولذلك أنث. ولو كانت الهاء عائدة على ما التي في قوله: * (إني نذرت لك ما في بطني محررا) * لكان الكلام: فلما وضعته قالت: رب إني وضعته أنثى. ومعنى قوله: * (وضعتها) * ولدتها، يقال منه: وضعت المرأة تضع وضعا. * (قالت رب إني وضعتها أنثى) * أي ولدت النذيرة أنثى، * (والله أعلم بما وضعت) *.
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة القراء: * (وضعت) * خبرا من الله عز وجل عن نفسه أنه العالم بما وضعت من غير قيلها: * (رب إني وضعتها أنثى) *. وقرأ ذلك بعض المتقدمين: والله أعلم بما وضعت على وجه الخبر بذلك عن أم مريم أنها هي القائلة، والله أعلم بما ولدت مني.
وأولى القراءتين بالصواب ما نقلته الحجة مستفيضة فيها قراءته بينها لا يتدافعون صحتها، وذلك قراءة من قرأ: * (والله أعلم بما وضعت) * ولا يعترض بالشاذ عنها عليها.
فتأويل الكلام إذا: والله أعلم من كل خلقه بما وضعت. ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنها قالت اعتذارا إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها:
* (وليس الذكر كالأنثى) * لان الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة لما يعتريها من الحيض والنفاس * (وإني سميتها مريم) *. كما:
حدثني ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى) * أي لما جعلتها له محررة نذيرة.