في قيل وقال يومه أجمع وصدر ليلته، حتى يلقى جيفة على فراشه، لا يجعل الله له من نهاره ولا ليلته نصيبا، وإذا شئت رأيته ذا مال في شهوته ولذاته وملاعبه، ويعدله عن حق الله، فذلك إضاعة المال، وإذا شئت رأيته باسطا ذراعيه، يسأل الناس في كفيه، فإذا أعطي أفرط في مدحهم، وإن منع أفرط في ذمهم.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا معتمر، عن أيمن بن نابل، قال:
حدثني شيخ من غافق: أن أبا الدرداء كان ينظر إلى الخيل مربوطة بين البراذين والهجن، فيقول: أهل هذه - يعني الخيل - من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وقال آخرون: عنى بذلك قوما أنفقوا في سبيل الله في غير إسراف ولا تقتير. ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (الذين ينفقون أموالهم) * إلى قوله: * (ولا هم يحزنون) * هؤلاء أهل الجنة، ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: المكثرون هم الأسفلون. قالوا: يا نبي الله إلا من؟ قال: المكثرون هم الأسفلون، قالوا: يا نبي الله إلا من؟ قال المكثرون هم الأسفلون قالوا يا نبي الله إلا من؟
حتى خشوا أن تكون قد مضت فليس لها رد، حتى قال: إلا من قال بالمال هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله، وهكذا بين يديه وهكذا خلفه، وقليل ما هم، هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله التي افترض وارتضى في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد.