جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج ٣ - الصفحة ٢٩٥
في الآخرة، فإنه أعد لهم فيها من العقاب ما وصف في كتابه، وأعلم عباده أن أعمالهم تصير بورا لا ثواب لها، لأنها كانت كفرا بالله، فجزاء أهلها الخلود في الجحيم.
وأما قوله: * (وما لهم من ناصرين) * فإنه يعني: وما لهؤلاء القوم من ناصر ينصرهم من الله إذا هو انتقم منهم بما سلف من إجرامهم واجترائهم عليه، فيستنقذهم منه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) * يعني بذلك جل ثناؤه: * (ألم تر) * يا محمد * (إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * يقول: الذين أعطوا حظا من الكتاب، يدعون إلى كتاب الله.
واختلف أهل التأويل في الكتاب الذي عنى الله بقوله: * (يدعون إلى كتاب الله) * فقال بعضهم: هو التوراة دعاهم إلى الرضا بما فيها، إذ كانت الفرق المنتحلة الكتب تقر بها وبما فيها أنها كانت أحكام الله قبل أن ينسخ منها ما نسخ. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله (ص) بين المدراس على جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم ودينه، فقالا: فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما رسول الله (ص): فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم. فأبوا عليه، فأنزل الله عز وجل: * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) *...
إلى قوله: * (ما كانوا يفترون) *.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله (ص) بيت المدراس، فذكر نحوه، إلا أنه قال: فقال لهما رسول الله (ص): فهلما
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست