في الآخرة، فإنه أعد لهم فيها من العقاب ما وصف في كتابه، وأعلم عباده أن أعمالهم تصير بورا لا ثواب لها، لأنها كانت كفرا بالله، فجزاء أهلها الخلود في الجحيم.
وأما قوله: * (وما لهم من ناصرين) * فإنه يعني: وما لهؤلاء القوم من ناصر ينصرهم من الله إذا هو انتقم منهم بما سلف من إجرامهم واجترائهم عليه، فيستنقذهم منه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) * يعني بذلك جل ثناؤه: * (ألم تر) * يا محمد * (إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * يقول: الذين أعطوا حظا من الكتاب، يدعون إلى كتاب الله.
واختلف أهل التأويل في الكتاب الذي عنى الله بقوله: * (يدعون إلى كتاب الله) * فقال بعضهم: هو التوراة دعاهم إلى الرضا بما فيها، إذ كانت الفرق المنتحلة الكتب تقر بها وبما فيها أنها كانت أحكام الله قبل أن ينسخ منها ما نسخ. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله (ص) بين المدراس على جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم ودينه، فقالا: فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما رسول الله (ص): فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم. فأبوا عليه، فأنزل الله عز وجل: * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) *...
إلى قوله: * (ما كانوا يفترون) *.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله (ص) بيت المدراس، فذكر نحوه، إلا أنه قال: فقال لهما رسول الله (ص): فهلما