الأمصار: * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * على تقدير فعلة مثل تخمة وتؤدة وتكأة من اتقيت، وقرأ ذلك آخرون: إلا أن تتقوا منهم تقية على مثال فعيلة.
والقراءة التي هي القراءة عندنا، قراءة من قرأها: * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * لثبوت حجة ذلك بأنه القراءة الصحيحة، بالنقل المستفيض الذي يمتنع منه الخطأ.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) *.
يعني تعالى ذكره بذلك: ويخوفكم الله من نفسه أن تركبوا معاصيه أو توالوا أعداءه، فإن لله مرجعكم ومصيركم بعد مماتكم، ويوم حشركم لموقف الحساب، يعني بذلك: متى صرتم إليه، وقد خالفتم ما أمركم به، وأتيتم ما نهاكم عنه من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، نالكم من عقاب ربكم ما لا قبل لكم به، يقول: فاتقوه واحذوره أن ينالكم ذلك منه، فإنه شديد العقاب. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شئ قدير) * يعني بذلك جل ثناؤه: قل يا محمد للذين أمرتهم أن لا يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، إن تخفوا ما في صدوركم من موالاة الكفار فتسروه، أو تبدوا ذلكم من أنفسكم بألسنتكم وأفعالكم، فتظهروه يعلمه الله فلا يخفى عليه، يقول: فلا تضمروا لهم مودة، ولا تظهروا لهم موالاة، فينالكم من عقوبة ربكم ما لا طاقة لكم به، لأنه يعلم سركم وعلانيتكم، فلا يخفى عليه شئ منه، وهو محصيه عليكم حتى يجازيكم عليه بالاحسان إحسانا، وبالسيئة مثلها. كما:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال:
أخبرهم أنه يعلم ما أسروا من ذلك وما أعلنوا، فقال: * (إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه) *.
وأما قوله: * (ويعلم ما في السماوات وما في الأرض) * فإنه يعني أنه إذ كان لا يخفى عليه شئ هو في سماء أو أرض أو حيث كان، فكيف يخفى عليه أيها القوم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ما في صدوركم من الميل إليهم بالمودة والمحبة، أو ما تبدونه لهم بالمعونة فعلا وقولا.