من تراب بتلك القدرة، من غير أنثى ولا ذكر فكان كما كان عيسى لحما ودما وشعرا وبشرا، فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله عز وجل * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) * قال: أتى نجرانيان إلى رسول الله (ص) فقالا له: هل علمت أن أحدا ولد من غير ذكر فيكون عيسى كذلك؟ قال:
فأنزل الله عز وجل: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) * أكان لآدم أب أو أم، كما خلقت هذا في بطن هذه؟
فإن قال قائل: فكيف قال: كمثل آدم خلقه، وآدم معرفة، والمعارف لا توصل؟
قيل: إن قوله: * (خلقه من تراب) * غير صلة لآدم، وإنما هو بيان عن أمره على وجه التفسير عن المثل الذي ضربه وكيف كان.
وأما قوله: * (ثم قال له كن فيكون) * فإنما قال: فيكون، وقد ابتدأ الخبر عن خلق آدم، وذلك خبر عن أمر قد تقضى، وقد أخرج الخبر عنه مخرج الخبر عما قد مضى، فقال جل ثناؤه: * (خلقه من تراب ثم قال له كن) *، لأنه بمعنى الاعلام من الله نبيه أن تكوينه الأشياء بقوله: * (كن) *، ثم قال: فيكون خبرا مبتدأ، وقد تناهى الخبر عن أمر آدم عند قوله: كن.
فتأويل الكلام إذا: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب، ثم قال له كن، واعلم يا محمد أن ما قال له ربك: كن، فهو كائن. فلما كان في قوله: * (كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن) * دلالة على أن الكلام يراد به إعلام نبي الله (ص) وسائر خلقه أنه كائن ما كونه ابتداء من غير أصل ولا أول ولا عنصر، استغنى بدلالة الكلام على المعنى، وقيل:
فيكون، فعطف بالمستقبل على الماضي على ذلك المعنى. وقد قال بعض أهل العربية:
فيكون رفع على الابتداء ومعناه: كن فكان، فكأنه قال: فإذا هو كائن. القول في تأويل قوله تعالى:
* (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) * يعني بذلك جل ثناؤه: الذي أنبأتك به من خبر عيسى، وأن مثله كمثل آدم خلقه من تراب. ثم قال له ربه: كن هو الحق من ربك، يقول: هو الخبر الذي هو من عند ربك، * (فلا تكن من الممترين) * يعني: فلا تكن من الشاكين في أن ذلك كذلك. كما: