حصلت مشكلة فأنا المقصود بها، لا أنت " وبهذا يسعى إلى مواساة صاحبه والتهوين عليه.
ثمة مفسرون يرون للآية تفسيرا آخر، لكن ظاهر الآية هو هذا الذي قلناه، ولكن لا بأس من معرفة هذا الاحتمال القائل بأن معنى الآية هو: إن الذين يعارضونك هم في الحقيقة مؤمنون بصدقك ولا يشكون في صحة دعوتك، ولكن الخوف من تعرض مصالحهم للخطر هو الذي يمنعهم من الرضوخ للحق، أو أن الذي يحول بينهم وبين التسليم هو التعصب والعناد.
يتبين من كتب السيرة أن الجاهليين - بما فيهم أشد المعارضين للدعوة - كانوا يعتقدون في أعماقهم بصدق الدعوة، ومن ذلك ما روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل، فقيل له في ذلك، فقال: والله إني لأعلم أنه صادق، ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف! (أي أن قبول دعوته سيضطرنا إلى اتباع قبيلته).
وورد في كتب السيرة أن أبا جهل جاء في ليلة متخفيا يستمع قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما جاء في الوقت نفسه أبو سفيان والأخنس بن شريق، ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوا إلى الصباح، فلما فضحهم الصبح تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال كل منهم للآخر ما جاء به، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، لما يخافون من علم شبان قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظانا أن صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق مرة ثانية فتلاوموا، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، فلما كانت اللية الثالثة جاؤوا أيضا، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودا لمثلها، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: اخبرني - يا أبا حنظلة - عن رأيك فيما سمعت من محمد؟
قال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء، ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.
قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.