إنما خلقا أولا ثم هديا إلى السكنى في الجنة وأن القرائن تفيد - كما أسلفنا في ذيل الآيات المتعلقة بقصة خلق آدم في سورة البقرة - أن تلك الجنة لم تكن جنة القيامة، بل هي - كما ورد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أيضا - جنة الدنيا، أي أنها كانت بستانا جميلا أخضر من بساتين هذا العالم، وفر الله سبحانه فيها جميع أنواع النعم والخيرات.
وفي هذه الأثناء صدر أول تكليف وأمر ونهي إلى آدم وحواء من جانب الله تعالى، بهذه الصورة: فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين أي أن الأكل من جميع أشجار هذه الجنة مباح لكما، إلا شجرة خاصة لا تقرباها، وإلا كنتما من الظالمين.
ثم إن الشيطان الذي طرد من رحمة الله تعالى بسبب إحجامه عن السجود لآدم، وكان قد صمم على أن ينتقم لنفسه من آدم وبنيه ما أمكن، ويسعى في إضلالهم ما استطاع، وكان يعلم جيدا أن الأكل من الشجرة الممنوعة تعرض آدم للإخراج من الجنة، عمد إلى الوسوسة لآدم وزوجته، وبغية الوصول إلى هذا الهدف نشر شباكا متنوعة على طريقهما.
ففي البداية - وكان يقول القرآن الكريم - بدأ بنزع لباس الطاعة والعبودية لله، عنهما، فأبدى عورتهما التي كانت مخبأة مستورة: فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوآتهما.
وللوصول إلى هذا الهدف رأى أن أفضل طريق هو أن يستغل حب الإنسان ورغبته الذاتية في التكامل والرقي والحياة الخالدة، وليوفر لهما عذرا يعتذران ويتوسلان به لتبرير مخالفتهما لأمر الله ونهيه، ولهذا قال لآدم وزوجته: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
وبهذه الطريقة صور الأمر الآلهي في نظرهما بشكل آخر، وصور المسألة وكأن الأكل من " الشجرة الممنوعة " ليس غير مضر فحسب، بل يورث عمرا