للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.
في الحقيقة إن المسلمين يستطيعون - انطلاقا من المفهوم الواسع لقوله:
قياما للناس - أن يصلحوا كل أمورهم بالركون إلى هذا البيت وفي إطار تعاليم الحج البناءة.
ولما كانت هذه المناسك يجب أن تجري في جو آمن وخال من الحروب والمنازعات والمخاصمات، فقد أشارت الآية إلى أثر الأشهر الحرم (وهي الأشهر التي تمنع فيها الحرب مطلقا) وقالت: والشهر الحرام (1) كما أشارت إلى الأضاحي الفاقدة للعلامة (الهدي) والأضاحي ذات العلامة (القلائد) التي منها يطعم الناس في موسم الحج، وتؤمن جانبا من احتياجات الحاج للقيام بمناسكه، فقالت: والهدي والقلائد.
ولما كان مجموع هذه الأحكام والقوانين والتشريعات بشأن الصيد، وكذلك بشأن حرم مكة والشهر الحرام وغير ذلك، يحكي عمق تدبير الشارع وسعة علمه تقول الآية: ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شئ عليم.
بناءا على ما مر بنا في تفسير هذه الآية يتضح الارتباط بين بدايتها ونهايتها، إذ أن هذه الأحكام التشريعية لا يستطيع أن ينظمها إلا من كان عليما بأعماق القوانين التكوينية، فالذي لا علم له بدقائق شؤون السماء والأرض وبما استقر في روح الإنسان وجسمه عند خلقه، لا تكون له القدرة على تقرير أحكام كهذه، فالقانون الصحيح السليم هو ذاك الذي ينسجم مع قانون الخلق والفطرة.
الآية التالية تؤكد تلك التشريعات، وتحث الناس على إتباعها وتهدد المخالفين والعاصين فتقول: إعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم.
ولعل تقديم شديد العقاب على غفور رحيم إشارة إلى أن عقاب الله الشديد يمكن إطفاؤه بماء التوبة والدخول في رحمة الله وغفرانه.