" جعل " بشأن النور والظلمة، فإن للمفسرين في ذلك كلاما كثيرا، ولكن أقربه إلى الذهن هو القول بأن " الخلق " يكون في أصل وجود الشئ، و " الجعل " يكون بشأن الخصائص والآثار والكيفيات التي هي نتيجة لخلق تلك المخلوقات، ولما كان النور والظلمة حالتين تابعتين فقد عبر عنهما بلفظة " جعل ".
وروي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في تفسير هذه الآية قوله: " وكان في هذه الآية رد على ثلاثة أصناف منهم، لما قال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض فكان ردا على الدهرية الذين قالوا: إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، ثم قال: وجعل الظلمات والنور فكان ردا على الثنوية الذين قالوا: إن النور والظلمة هما المدبران.
ثم قال: ثم الذين كفروا بربهم يعدلهم فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا: إن أوثاننا آلهة " (1).
3 هل الظلمة من المخلوقات؟
تفيد الآية إنه مثلما أن " النور " من مخلوقات الله، فإن " الظلمة " كذلك من مخلوقاته، مع أن الفلاسفة والمختصين بالعلوم الطبيعية يعرفون أن الظلمة هي انعدام النور، ولهذا فلا يمكن اطلاق صفة " المخلوق " على المعدوم إذن، كيف تعتبر الآية المذكورة الظلمة من المخلوقات؟
في رد هذا الاعتراض نقول.
أولا: الظلمة ليس تعني دائما الظلام المطلق، بل كثيرا ما تطلق على النور الضعيف جدا بالمقارنة مع النور القوي، فنحن جميعا نقول، مثلا، ليل مظلم، مع العلم بأن ظلام الليل ليس ظلاما مطلقا، بل هو مزيج من نور النجوم الضعيف أو مصادرا أخرى للنور، وعلى هذا يكون مفهوم الآية هو أن الله جعل لكم نور النهار وظلام الليل، فالأول نور قوي والآخر نور ضعيف جدا وواضح أن الظلمة، بهذا المعنى، تكون من المخلوقات.
وثانيا: صحيح أن الظلمة المطلقة أمر عدمي، ولكن الأمر العدمي - في ظروف