ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟
قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد المناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا (أي أعطوا الناس ما يركبونه) فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس وتركه.
وروي أنه التقى أخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال له: يا أبا الحكم، اخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب، فإنه ليس ها هنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟! (1) يتبين من هذه الروايات وأمثالها أن كثيرا من أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الألداء كانوا في باطنهم يعترفون بصدق ما يقول، إلا أن التنافس القبلي وما إلى ذلك، لم يكن يسمح لهم بإعلان ما يعتقدون، أو لم تكن لديهم الشجاعة على ذلك.
إننا نعلم أن مثل هذا الاعتقاد الباطني ما لم يصاحبه التسليم، لن يكون له أي أثر، ولا يدخل الإنسان في زمرة المؤمنين الصادقين.
الآية الثانية تستأنف مواساة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتبين له حال من سبقه من الأنبياء، وتؤكد له أن هذا ليس مقتصرا عليه وحده، فالأنبياء قبله نالهم من قومهم مثل ذلك أيضا: ولقد كذبت رسل من قبلك.
ولكنهم صبروا وتحملوا حتى انتصروا بعون الله: فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا وهذه سنة إلهية لا قدرة لأحد على تغييرها: ولا مبدل لكلمات الله.
وعليه، فلا تجزع ولا تبتئس إذا ما كذبك قومك وأذوك، بل اصبر على