على أممهم، بينما نجدهم في هذه الآية ينكرون كل علم ويوكلون كل شئ إلى الله.
ولكن ليس في هذا اختلاف ولا تضاد، بل هو يحكي عن مرحلتين، في المرحلة الأولى وهي التي تشير إليها الآية التي نحن بصددها، يظهر الأنبياء الأدب بإزاء سؤال الله، فينفون العلم عن أنفسهم، ويوكلون كل شئ إلى علم الله، ولكنهم في المراحل التالية يبينون ما يعرفونه عن أممهم ويشهدون، وهذا يكاد يشبه المعلم الذي يطلب من تلميذه أن يجيب على سؤال فيظهر التلميذ التأدب أول الأمر ويقول: أن علمه لا شئ بالنسبة لعلم المعلم، ثم بعد ذلك يدلي بما يعرف.
والسؤال الآخر: كيف ينفي الأنبياء العلم عن أنفسهم مع أنهم إضافة إلى العلوم العادية يعلمون الكثير من الحقائق الخفية التي علمها الله لهم.
رغم أن للمفسرين كلاما كثيرا في جواب هذا السؤال، نرى أن الموضوع واضح وهو أن الأنبياء يرون علمهم لا شئ بالنسبة لعلم الله، والحق كذلك، فوجودنا لا شئ بالنسبة لوجود الله الأبدي وعلمنا لا وزن له بإزاء علم الله، فمهما يكن " الممكن " فإنه لا يكون شيئا بإزاء " الواجب "، وبعبارة أخرى: إن علم الأنبياء، وإن كان في حد ذاته غزيرا، لكنه لا شئ بالقياس إلى علم الله.
في الحقيقة، العالم الحقيقي هو الذي يكون حاضرا وناظرا في كل مكان وزمان، وعارفا بتركيب كل ذرة من ذرات العالم، وبكل أجزاء هذا العالم المترابط في وحدة واحدة، وهذه صفة تختص بالله سبحانه.
يتضح مما قلنا أن هذه الآية ليست دليلا على نفي كل علم بالغيب عن الأنبياء والأئمة كما زعم بعضهم، وذلك لأن " علم الغيب " بالذات يختص بمن يكون حاضرا في كل مكان وزمان، وأما غيره تعالى فإنه لا علم له بالغيب سوى ما يعلمه الله.
وهذا مأخوذ من آيات عديدة في القرآن، منها الآية (26) من سورة الجن: