في الواقع إن سبب الاتجاه إلى غير الله إما لتصورهم أن ما يتجهون إليه مصدر الخيرات، وإما لاعتقادهم بقدرته وأنه يدرأ عنهم المصائب ويحل لهم مشاكلهم، والخضوع إلى حد العبادة لذوي السلطان والمال والقوة ينشأ من أحد هذين الدافعين، هذه الآية تبين أن إرادة الله حاكمة على كل شئ، فإذا منع عن أحد نعمة، أو منح أحدا نعمة، فما من قدرة في العالم تستطيع أن تغير ذلك، فلماذا إذن يطأطئون رؤوسهم خضوعا لغيره؟
إن استعمال " يمسسك " في الخير والشر، وهي من " مس "، تشير إلى أن الخير والشر - مهما قل - لا يكون إلا بإرادته وقدرته.
ثم إن الآية المذكورة تدحض فكرة " الثنويين " القائلين بمبدأي " الخير " و " الشر " وعبادتهما، وتقول إن الاثنين كليهما من جانب الله، ولكننا سبق أن قلنا أن ليس ثمة شئ اسمه " الشر المطلق ".
وعليه فعندما ينسب الشر إلى الله فإنما يقصد به على الظاهر " سلب النعمة " وهو بحد ذاته " خير "، فهو إما أن يكون للإيقاظ والتربية والتعليم وكبح حالات الغرور والطغيان والذاتية، أو لمصالح أخرى.
وفي الآية التي تليها إكمال للبحث، فيقول: وهو القاهر فوق عباده.
" القاهر " و " الغالب " وإن كانا بمعنى واحد، إلا أنهما من جذرين مختلفين، " القهر " يطلق على ذلك النصر الذي يتحقق دون أن يتمكن الطرف المقهور من إبداء أية مقاومة، وفي كلمة " الغلبة " لا يوجد هذا المعنى، وقد تحصل بعد المقاومة، وبعبارة أخرى: القاهر يقال لمن يكون تسلطه على الطرف الآخر من الشمول بحيث إنه لا يستطيع المقاومة مطلقا كصب سطل من الماء على جذوة صغيرة من النار فيطفؤها فورا.
يرى بعض المفسرين أن " القهر " تستعمل حيث يكون المقهور كائنا عاقلا،