اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي (1) واعتبروا ذلك دليلا على بطلان رسالته.
إن واحدا من دلائل عظمة الإسلام والقرآن، وعظمة مدرسة الأنبياء عموما، هو أنها وقفت ثابتة لا تتزحزح في وجه أمثال هذه الطلبات، وراحت تحطم هذه الامتيازات الموهومة في كل المجتمعات التي تعتبر التمايز الطبقي مسألة ثابتة، لتعلن أن الفقر ليس نقصا في أشخاص مثل سلمان وأبي ذر والخباب وبلال، كما أن الثروة ليست امتيازا اجتماعيا أو معنويا لهؤلاء الأثرياء الفارغين المتحجرين المتكبرين.
ثم تقول الآية: إنه ليس ثمة ما يدعو إلى إبعاد هؤلاء المؤمنين عنك، لأن حسابهم ليس عليك، ولا حسابك عليهم: ما عليك من حسابهم من شئ، وما من حسابك عليهم من شئ، ولكنك مع ذلك إذا فعلت تكون ظالما:
فتطردهم فتكون من الظالمين.
يختلف المفسرون في توضيح المقصود من " الحساب " هنا.
منهم من يقول: إن المقصود هو حساب رزقهم، أي أنهم وإن كانوا فقراء فإنهم لا يثقلون عليك بشئ، لأن حساب رزقهم على الله، كما أنك أنت أيضا لا تحملهم ثقل معيشتك، إذ ليس من حساب رزقك عليهم من شئ.
غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيدا، لأن الظاهر أن القصد من الحساب هو حساب الأعمال، كما يقول كثير من المفسرين، أما لماذا يقول الله أن حساب أعمالهم ليس عليك، مع أنهم لم يبدر منهم أي عمل سئ يستوجب هذا القول؟
فالجواب: إن المشركين كانوا يتهمون أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الفقراء بالابتعاد عن الله بسبب فقرهم، زاعمين أنهم لو كانت أعمالهم مقبولة عند الله لزمه الترفيه والتوسعة عليهم في معيشتهم، بل كانوا يتهمونهم بأنهم لم يؤمنوا إلا لضمان