الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق (1).
إن غلو النصارى معروف، إلا أن غلو اليهود، الذي يشملهم تعبير يا أهل الكتاب قد يكون إشارة إلى ما كانوا يقولونه عن العزير وقد اعتبروه ابن الله، ولما كان الغلو ينشأ - أكثر ما ينشأ - عن اتباع الضالين أهواءهم، لذلك يقول الله سبحانه ولا تتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.
وفي هذا إشارة أيضا إلى ما انعكس في التأريخ المسيحي، إذ أن موضوع التثليث والغلو في أمر المسيح (عليه السلام) لم يكن له وجود خلال القرون الأولى من المسيحية، ولكن عندما اعتنق بعض الهنود وأمثالهم من عبدة الأصنام المسيحية أدخلوا فيها شيئا من دينهم السابق، كالتثليث والشرك.
إن الثالوث الهندي (الإيمان بالآلهة الثلاثة: برهما، وفيشنو، وسيغا)، كان تاريخيا أسبق من التثليث المسيحي الذي لا شك أنه انعكاس لذاك، ففي الآية الثلاثين من سورة التوبة وبعد ذكر غلو اليهود والنصارى في مسألة العزير والمسيح (عليه السلام) يقول سبحانه يضاهئون قول الذين كفروا من قبل.
وقد وردت كلمة " ضلوا " في هذه الآية مرتين بالنسبة للكفار الذين اقتبس منهم أهل الكتاب الغلو، ولعل هذا التكرار من باب التوكيد، إذ أنهم كانوا قبل ذلك من الضالين، ثم لما أضلوا لآخرين بدعاواهم وقعوا في ضلال آخر، ومن يسعى لتضليل الآخرين يكون أضل منهم في الواقع، لأنه يكون قد استهلك قواه لدفع نفسه ودفع الآخرين إلى طريق التعاسة ولحمل آثام الآخرين أيضا على كاهله، وهل يرتضي المرء السائر على الطريق المستقيم أن يضيف إلى آثامه آثام غيره