يتناول " طلوع الصبح " كنعمة من نعم الله الكبرى، فنحن نعرف أن هذه الظاهرة تحدث لوجود جو الأرض، ذلك الغلاف الضخم من الهواء الذي يحيط بالأرض، فلو كانت الأرض - مثل القمر - عديمة الجو، لما كان هناك " طلوعان " ولا " فلق " ولا " إصباح "، ولا " غسق " ولا " شفق " بل كانت الشمس تبزغ فجأة، بدون أية مقدمات ولسطع نورها في العيون التي اعتادت على ظلام الليل ولم تكد تفارقه، وعند الغروب تختفي فجأة، وتعم الظلمة الموحشة في لحظة واحدة كل الأرجاء، غير أن الجو الموجود حول الأرض والمؤدي إلى حصول فترة فاصلة بين ظلام الليل وضياء النهار عند طلوع الشمس وغروبها يهيئ الإنسان تدريجيا لتقبل هذين الاختلافين المتضادين والانتقال من الظلمة إلى النور، ومن النور إلى الظلمة، شيئا فشيئا، بحيث إنه يستطيع أن يتحمل كل منهما، فنحن نشعر بالانزعاج إذا كنا في غرفة مضاءة وانطفأت الأنوار فجأة وعم الظلام، ثم إذا استمر الظلام ساعة، وعاد النور مرة أخرى فجأة، عادت معها حالة الانزعاج بسبب سطوع الضوء المفاجئ الذي يؤلم العين ويجعلها غير قادرة على رؤية الأشياء، وإذا ما تكرر هذا الأمر فإنه لا شك سيؤذي العين، غير أن فالق الإصباح قد جنب الإنسان هذا الأذى بطريقة رائعة (1).
ولكيلا يظن أحد أن فلق الصبح دليل على أن ظلال الليل أمر غير مطلوب وأنه عقاب أو سلب نعمة، يبادر القرآن إلى القول: وجعل الليل سكنا.
من الأمور المسلم بها أن الإنسان يميل خلال انتشار النور والضياء إلى العمل وبذل الجهد، ويتجه الدم نحو سطح الجسم وتتهيأ العضلات للفعالية والنشاط، ولذلك لا يكون النوم في الضوء مريحا، بل يكون أعمق وأكثر راحة كلما كان الظلام أشد، حيث يتجه الدم فيه نحو الداخل، وتدخل الخلايا عموما