جعفر: فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بذخول بها؟
عمرو: لا.
جعفر: فما تريدون منا؟ أذيتمونا فخرجنا من دياركم، ثم قال:
" نعم أيها الملك خالفناهم بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة، وحرم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حقها، والزنا والربا والميتة والدم ولحم الخنزير، وأمرنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي ".
فقال النجاشي: بهذا بعث الله عيسى، ثم قال النجاشي لجعفر:
هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا؟
قال جعفر: نعم، فقرأ سورة مريم، فلما بلغ قوله: وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا قال: هذا والله هو الحق.
فقال عمرو: إنه مخالف لنا فرده إلينا.
فرفع النجاشي يده وضرب بها وجه عمرو وقال: اسكت، والله لئن ذكرته بعد بسوء لأفعلن بك وقال: ارجعوا إلى هذا هديته، وقال لجعفر وأصحابه: امكثوا فإنكم آمنون.
كان لهذا الحدث أثر بالغ بعيد المدى، ففضلا عما كان له من أثر إعلامي عميق في تعريف الإسلام لجمع من أهل الحبشة، فإنه شد من عزيمة المسلمين في مكة وحملهم على الاطمئنان والثقة بقاعدتهم في الحبشة لإرسال المسلمين الجدد إليها، إلى أن يشتد ساعدهم وتقوى شوكتهم.
ومضت سنوات، وهاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، وارتفع شأن الإسلام، وتم التوقيع على صلح الحديبية، وتوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفتح خيبر، وفي ذلك اليوم الذي كان فيه المسلمون يكادون يطيرون فرحا لتحطيمهم أكبر قلعة للأعداء اليهود، فإذا بهم يشهدون من بعيد قدوم جمع من الناس صوبهم، ثم ما لبثوا حتى عرفوا أن أولئك لم يكونوا سوى المهاجرين الأوائل إلى الحبشة وقد عادوا في