إن الظلام بذاته مخيف مثير للأوهام والتخيلات، فهجوم الكثير من الحيوانات الخطرة وسطوة اللصوص والمجرمين يقع تحت جنح الظلام، أن لكل امرئ ذكرياته عن هذه الحالات، فعند هبوط الظلام تنشط الأوهام وتخرج منها الأشباح المرعبة، فيستولي الخوف والهلع على العامة من الناس.
الظلام من العدم، والإنسان يهرب بطبيعته من العدم ويخافه، ولهذا نراه يخاف الظلام.
وإذا حدثت في هذا الظلام حوادث واقعية مرعبة، كأن يكون الإنسان مسافرا في البحر، وتحاصره في ليلة ظلماء الأمواج الهائلة والدوامات المائية، فإن خوفه من ذلك يكون أضعاف ما لو حدث ذلك بالنهار، لأن الإنسان في مثل هذه الظروف يجد أبواب النجاة مسدودة في وجهه، وهكذا لو كان في ليلة حالكة الظلام يسير في الصحراء فيضل الطريق ويسمع زمجرة الوحوش المفترسة من هنا وهناك وهي تبحث عن فريسة، في مثل هذه اللحظات ينسى الإنسان كل شئ ولا يعود يتذكر شيئا سوى نفسه، والنور الذي يسطع في أعماقه ويجذبه نحو المبدأ قادر على إزالة ما يعتوره من بلاء وضيق، هذه الحالات تفتح نوافذ على عالم التوحيد ومعرفة الله، لذلك يقول في أمثال هذه الحالات: تدعونه تضرعا وخفية.
وتعقدون - وأنتم في تلك الحالة - عهدا وميثاقا على أنفسكم، وتقولون:
لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين.
ثم تأمر الآية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخبرهم أن الله سوف ينجيهم من هذه ومن غيرها من الأخطار، وقد فعل ذلك من قبل مرارا، ولكنهم بعد زوال الخطر عنهم يعودون إلى طريق الشرك والكفر: قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون.