و " الحنيف " يعني الشخص أو الشئ الذي يميل إلى جهة ما، وأما في المصطلح القرآني فيطلق هذا الوصف على من يعرض عن عقيدة عصره الباطلة ويولي وجهه نحو الدين الحق والعقيدة الحقة.
وكأن هذا التعبير جواب ورد على مقالة المشركين الذين كانوا يعيبون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مخالفته للعقيدة الوثنية التي كانت دين أسلافهم من العرب، فقال النبي في معرض الرد على مقالتهم هذه، بأن نقض السنن الجاهلية والإعراض عن العقائد الخرافية السائدة في البيئة ليس هو من فعلي فقط، بل كان إبراهيم - الذي نحترمه جميعا - كذلك أيضا.
ثم يضيف للتأكيد قائلا: وما كان من المشركين، بل هو بطل الكفاح ضد الوثنية، وحامل الحرب ضد الشرك، الذي لم يفتأ لحظة واحدة عن محاربته وكفاحه.
إن تكرار جملة حنيفا وما كان من المشركين في عدة موارد من آيات القرآن الكريم مع قوله: " مسلما " أو بدونها، إنما هو للتأكيد على هذه المسألة وهي أن إبراهيم الذي يفتخر به العرب الجاهليون مبرأ ومنزه عن كل هذه العقائد والأعمال الخاطئة (1).
الآية اللاحقة تشير إلى أنه على النبي أن يقول: إني لست موحدا من حيث العقيدة فحسب، بل إني أعمل كل عمل صالح: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، فأنا أحيى لله، وله أموت، وأفدي بكل شئ لأجله، وكل هدفي وكل حبي بل كل وجودي له.
و " النسك " يعني في الأصل العبادة، ولذا يقال: للعابد: ناسك، ولكن هذه الكلمة تطلق في الأغلب على أعمال الحج فيقال: مناسك الحج.
وقد احتمل البعض أن يكون الموارد من " النسك " هنا هو " الأضحية "،