وتطلق " الحجة " على الطريق الذي يقصده الإنسان، ويطلق على البرهان والدليل " الحجة " أيضا، لأن القائل يقصد إثبات مدعاه للآخرين عن طريقه.
ومع ملاحظة لفظة " بالغة " يتضح أن الأدلة التي أقامها الله للبشر عن طريق العقل والنقل وبواسطة العلم والفكر، وكذا عن طريق إرسال الأنبياء واضحة لا لبس فيها من جميع الجهات، بحيث لا يبقى أي مجال للترديد والشك لأحد، ولهذا السبب نفسه عصم الله سبحانه أنبياءه من كل خطأ ليبعدهم عن أي نوع من أنواع التردد والشك في الدعوة والإبلاغ.
ثم يقول في ختام الآية: ولو شاء الله أن يهديكم جميعا بالجبر لفعل: فلو شاء الله لهداكم أجمعين.
وفي الحقيقة فإن هذه الجملة إشارة إلى أن في مقدور الله تعالى أن يجبر جميع أبناء آدم على الهداية، بحيث لا يكون لأحد القدرة على مخالفته، ولكن في مثل هذه الصورة لم يكن لمثل هذا الإيمان ولا للأعمال التي تصدر في ضوء هذا الإيمان الجبري القسري أية قيمة، إنما فضيلة الإنسان وتكامله في أن يسلك طريق الهداية والتقوى بقدميه وبإرادته واختياره.
وعلى هذا الأساس لا منافاة أصلا بين هذه الجملة والآية السابقة التي ورد فيها نفي الجبر.
إن هذه الجملة تقول: إن إجبار الناس الذي تدعونه أمر ممكن ومقدور لله تعالى، ولكنه لن يفعله قط، لأنه يخالف الحكمة وينافي المصلحة الإنسانية.
وكان المشركون قد تذرعوا بالقدرة والمشيئة الإلهيتين لاختيار مذهب الجبر، على حين أن القدرة والمشيئة الإلهيتين حق لا شبهة فيهما، بيد أن نتيجتهما ليست هي الجبر والقسر، بل إن الله تعالى أراد أن نكون أحرارا، وأن نسلك طريق الحق باختيارنا وبمحض إرادتنا.
جاء في كتاب الكافي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: