وتفيد جملة فأحييناه أن الإيمان - وإن استلزم سعي الإنسان لنيله - لا يتم إلا بهداية من الله! ثم تقول الآية عن أمثال هؤلاء: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس.
على الرغم من وجود الاختلاف في تفسير هذا " النور " فالظاهر أن المقصود ليس القرآن وتعاليم الشرع فحسب، بل أكثر من ذلك، حيث يمنح الإيمان بالله الإنسان رؤية وإدراكا جديدين... يمنحه رؤية واضحة ويوسع من آفاق نظرته لتتجاوز إطار حياته المادية وجدران عالم المادة الضيق إلى عالم أرحب وأوسع.
ولما كان الإيمان يدعو الإنسان إلى أن يبني نفسه، فإنه يزيح عن عينيه أغشية الأنانية والتعصب والمعاندة والأهواء، ويريه حقائق ما كان قادرا على إدراكها من قبل.
إنه في ضوء هذا النور يستطيع أن يميز مسيرة حياته بين الناس، وأن يصون نفسه ويحافظ عليها ويحصنها ضد ما يقع فيه الآخرون من أخطار الطمع والجشع والأفكار المادية المحدودة، والوقوف بوجه أهوائه وكبح جماحها.
إن ما نقرأه في الأحاديث الإسلامية من أن " المؤمن ينظر بنور الله " إشارة إلى هذه الحقيقة، إن مجرد الوصف غير قادر على تبيان خصائص هذه الرؤية الإيمانية التي يمنحها الله للإنسان، بل ينبغي أن يذوق الإنسان طعمها لكي يدرك بنفسه مغزى هذا القول ويحس به.
ثم تقارن الآية بين هذا الإنسان الحي، الفعال، النير، والمؤثر، بالإنسان العديم الإيمان والمعاند، فتقول: كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.
نلاحظ أن الآية لا تقول: " كمن في الظلمات " بل تقول: كمن مثله في الظلمات يقول بعضهم: إن الهدف من هذا التعبير هو إثبات أن هؤلاء الأفراد غارقون في الظلمات والتعاسة إلى الحد الذي جعلهم مثلا يعرفه المدركون.