استسلامهم لأمر الله وعليه فإن قوله تعالى: إني أمرت أن أكون أول من أسلم يعني أول مسلم من أمة الرسالة الخاتمة.
كما أن هذا إشارة إلى أمر تربوي مهم أيضا، وهو أن كل قائد ينبغي أن يكون في تطليق تعاليم دينه قدوة وطليعة، عليه أن يكون أول المؤمنين برسالته، وأول العاملين بها، وأكثر الناس اجتهادا فيها، وأسرعهم إلى التضحية في سبيلها.
الآية التالية فيها توكيد أشد لهذا النهي الإلهي عن اتباع المشركين: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (1). أي يأمر الله رسوله أن يقول بأنه ليس مستثنى من القوانين الإلهية، وأنه يخاف - إن ركن إلى المشركين - عذاب يوم القيامة.
ومن هذه الآية نفهم أيضا أن شعور الأنبياء بالمسؤولية يفوق شعور الآخرين بها.
ولكي يتضح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يستطيع شيئا بغير الاستناد إلى لطف الله ورحمته، فكل شئ بيد الله وبأمره، وحتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه يترقب بعين الرجاء رحمة الله الواسعة، ومنه يطلب النجاة والفوز: ومن يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين.
هذه الآيات تبين منتهي درجات التوحيد، وترد على الذين كانوا يرون للأنبياء سلطانا مستقلا عن إرادة الله، كما فعل المسيحيون عندما جعلوا من المسيح (عليه السلام) المخلص والمنقذ، فتقول لهم: إن الأنبياء أنفسهم يحتاجون إلى رحمة الله مثلكم.
* * *