خاتمة رأينا - بعد أن فرغنا من القول في أمر الحديث المحمدي وحياته وتاريخه، أن نختم كتابنا بفصول تشتمل على مباحث تتصل بالحديث وفقهه، وكيف يسلك الطالب إلى معرفة الصحيح منه، وعلى قواعد وأصول في الدين الإسلامي لا يستغني عنها القارئ، وهذه الفصول - ولا ريب - لازمة للكتاب ومتممة له، وسنمهد لها بكلام ممتع لفيلسوف المؤرخين ابن خلدون في فلسفة التاريخ والاجتماع.
قال في مقدمته الشهيرة: إن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق، وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط (1).
ولما كان الكذب متطرقا للخبر بطبيعته، وله أسباب تقتضيه، فمنها التشيعات للآراء والمذاهب، فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر، أعطته حقه من التمحيص والنظر، حتى تتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة، قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقله.
ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار أيضا الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح، ومنها " الذهول عن المقاصد " فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه فيقع في