عثمان، فاجتمعت فيه الرواية المكتوبة، والرواية المحفوظة في الذاكرة، وتطابقت كلتا الروايتين دائما، فلا معنى للشك في نص من نصوص القرآن لأنها وصلت إلينا عن طريق لا يقبل فيها الشك.
وإنا إذ نسوق ما سقناه من عرض الحقائق على وجهها، وإظهار وقائع التاريخ بعد تمحيصها، لا نقصد وأيم الله أن ننال أحدا بسوء من عندنا، وإنما لنبين في غير حرج أمر الصحابة على حقيقته، وأنهم أناس من الناس فيهم البر والآثم، والصادق وغير الصادق، وأنهم كانوا يعيشون في الحياة ويستمتعون بها كما يعيش الناس ويستمتعون، وهذا كله لا يضر الإسلام في شئ وإن ضياءه ليشرق من كتابه العظيم على الناس إلى يوم الدين.
عدالة الصحابة إن أمر عدالة جميع الصحابة أمر خطير، كثر الكلام فيه، وطال المراء حوله في كل العصور، فهو من أجل ذلك يستحق الاهتمام، ويحتاج إلى العناية حتى يعتدل الرأي فيه، ويزول الاختلاف عليه.
لقد اختلف المسلمون في هذه العدالة اختلافا كثيرا، على حين أنها في نفسها قضية مسلمة فصل القرآن والرسول فيها، وهي بذلك لا تدعو إلى الخلاف، ولا تفتقر إلى جدال، وهل يصح في قضية فصل القرآن والرسول فيها أن يدور حولها خلاف أو جدال؟؟ لقد غلا فيها قوم حتى قضوا بعدالتهم جميعا حتى من انغمس منهم في الفتنة أو نزل الكتاب بنفاقه، بحيث لا يجوز أن يوجه إلى واحد منهم نقد، أو تقابل روايته بشك ومن فعل ذلك فقد فسق (1).
وهذا لعمرك إسراف في الثقة، وإفراط في التقدير، ثم هو غير ذلك يتعارض مع ما جاء في الكتاب والسنة في الأدلة القوية، ولا يتفق والطبائع البشرية.
إن القول بعدالة جميع الصحابة، وتقديس كتب الحديث يرجع إليهما كل ما أصاب الإسلام من طعنات أعدائه، وضيق صدور ذوي الفكر من أوليائه!