وقال الغزالي في المستصفى: القسم الثاني من الأخبار ما يعلم كذبه، وهي أربعة: " الأول " ما يعلم خلافه بضرورة العقل، أو نظره، أو الحس والمشاهدة أو أخبار التواتر - وبالجملة ما خالف المعلوم بالمدارك الستة، " الثاني " ما يخالف النص القاطع من الكتاب والسنة المتواترة وإجماع الأمة، فإنه ورد مكذبا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللأمة، " الثالث " ما صرح بتكذيبه جمع كثير يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب إذا قالوا: حضرنا معه في ذلك الوقت فلم نجد ما حكاه من الواقعة أصلا، " الرابع " ما سكت الجمع الكثير عن نقله والتحدث به مع جريان الواقعة بمشهد منهم، ومع إحالة العادة السكوت عن ذكره لتوفر الدواعي على نقله ولا حالة العادة اختصاصه بحكايته.
وقال القرافي: الدال على كذب الخبر خمسة: وهو منافاته لما علم بالضرورة أو النظر أو الدليل القاطع أو فيما شأنه أن يكون متواترا ولم يتواتر، وكقواعد الشرع، أولهما جميعا، كالمعجزات أو طلب في صدور الرواة أو كتبهم بعد استقراء الأحاديث فلم يوجد ا ه (1).
حال الناس في الصدر الأول وبعده:
قال الإمام أبو زيد الدبوسي رحمه الله في تقويم الأدلة: كان الناس في الصدر الأول، أعني الصحابة والتابعين والصالحين، يبنون أمورهم على الحجة، فكانوا يأخذون بالكتاب ثم بالسنة (2) ثم بأقوال من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ما يصح بالحجة، فكان الرجل يأخذ بقول عمر في مسألة، ثم يخالفه بقول علي في مسألة أخرى. وقد ظهر من أصحاب أبي حنيفة أنهم وافقوه مرة، وخالفوه أخرى، بحسب ما تتضح لهم الحجة، ولم يكن المذهب في الشريعة عمريا، ولا علويا، بل النسبة كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فكانوا قرونا أثني عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالخير فكانوا يرون الحجة، لا علماءهم، ولا نفوسهم، فلما ذهبت التقوى عن