المتكلمون في ذلك، فقال بعضهم: إن هذا الخبر وإن كان مخرجا في الصحيحين، غير صحيح، لاقتضائه أن الآيات الثلاث المذكورة قد ثبتت بغير طريق التواتر، وهو خلاف ما يقتضيه الدليل المذكور، وقال بعضهم: ليس في الخبر المذكور ما يقتضي ثبوت الآيات المذكورة بغير طريق التواتر، لاحتمال أن يكون زيد قد أراد بقوله: لم أجدها مع غير فلان: لم أجدها مكتوبة عند غيره، وهو لا يقتضي أنه لم يجدها محفوظة عند غيره.. وقال بعضهم: إن الدليل المذكور إنما يتقضى كون القرآن قد نقل على وجه يفيد العلم - وإفادة العلم قد تكون بغير طريق التواتر، فإن في أخبار الآحاد ما يفيد العلم، وهي الأخبار التي احتفت بها قرائن توجب ذلك - وعلى هذا فنحن لا نستبعد أن يكون في القرآن ما نقل على هذا الوجه، وذلك كالآيات الثلاث المذكورة، إذ المطلوب حصول العلم على أي وجه كان، وقد حصل بهذا الوجه.
وهذا القول في غاية القوة والمتانة، ولا يرد عليه شئ مما يرد على من أفرط في هذا الأمر أو فرط عليه.
المشكل الثالث:
روى البخاري عن قتادة أنه قال: سألت أنس بن مالك، من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أربعة كلهم من الأنصار، أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلت: من أبو زيد؟ قال:
أحد عمومتي، وروى من طريق ثابت عن أنس أنه قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة، أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
وفيه مخالفة لحديث قتادة من وجهين: التصريح بصيغة الحصر في الأربعة، والآخر ذكر أبا الدرداء بدل أبي بن كعب، وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة. وقال المازري: لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم، أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك، لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد، وهذا لا يتم إلا إن كان لقى كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع