يحرقون ما يكتبون منها - كما علمت ذلك كله من قبل - وهذا الأمر قد دعانا إلى أن نفرد ترجمة خاصة لمن كان أكثر الصحابة تحديثا عن رسول الله، وأوسعهم رواية، على حين أنه كان من عامة الصحابة، وكان بينهم لا في العير ولا في النفير ذلكم هو " أبو هريرة ".
ولولا أن هذه الكثرة البالغة - بفضل ثقة الجمهور بها - قد استفاضت في كتب الحديث، وأخذت مكان الاعتبار والتصديق من قلوب المسلمين، وسيطرت على عقولهم وأفكارهم. وجعلوها من عام دينهم، على ما فيها من مشكلات تحار فيها عقول المؤمنين، وشبهات وخرافات تتخذ مطاعن على الدين، وأسانيد يتكأ عليها في إثبات الإسرائيليات والمسيحيات وغيرها من الملل والنحل - لولا ذلك كله ما جرى بهذا البحث قلمنا، ولا اتجه إليه بالعناية همنا.
الاختلاف في اسمه:
لم يختلف الناس في اسم أحد - في الجاهلية والإسلام - كما اختلفوا في اسم " أبي هريرة " فلا يعرف أحد على التحقيق الاسم الذي سماه به أهله، ليدعى بين الناس به.
قال النووي: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الصحيح من ثلاثين قولا...
وقال حافظ المغرب ابن عبد البر في الإستيعاب (1):
اختلفوا في اسم أبي هريرة وأمم أبيه اختلافا كثيرا لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام - ومثل هذا الاختلاف والاضطراب لا يصح معه شئ يعتمد عليه - وقد غلبت عليه كنيته، فهو كمن لا اسم له غيرها وأولى المواضع باسمه المكنى.
وقال صاحب المشكاة: قد اختلف الناس في اسم أبي هريرة ونسبه اختلافا كثيرا، وقد غلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له واشتهرت الكنية حتى نسي الاسم الأصلي لأنه قد اختلف فيه اختلافا كثيرا.