وجود عبد الله بن سبأ هذا، وإليك بعض ما أثبته في كتابه العظيم " الفتنة الكبرى " الجزء الثاني " علي وبنوه " وهو يتحدث عن وقعة صفين (1):
أقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا وقد اخترع بأخرة حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية. أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم، والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستندا إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت بصفين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب علي في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد، الذي كان يكره الصلح وينفر منه ويكفر من مال إليه، أو شارك فيه.
ولكنا لا نرى لا بن السوداء ذكرا في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال؟ أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين وعن نشأة حزب المحكمة؟ أما أنا فلا أعلل الأمرين إلا بعلة واحدة. وهي أن ابن السوداء لم يكن إلا وهما وإن وجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذي صوره المؤرخون وصوروا نشاطه أيام عثمان وفي العام الأول من خلافة علي! وإنما هو شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم ولم يدخروه للخوارج... إلخ.
وإليك مثلا من هذا الكيد في أمر خطير تحول به التاريخ الإسلامي عن مجراه:
كعب ومعاوية قرأت فيما سبق وبيناه (2) أن عمر بن الخطاب كان قد نهى كعب الأحبار عن الحديث وتوعده بالنفي إذا هو روى من إسرائيلياته أو ما يزعم أنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك بعد أن فطن لكيده، وتبين له سوء دخلته، ولم يجد كعب تلقاء هذا التهديد الشديد مناصا من أن يذعن في غيظ وموجدة، ثم أخذ يسعى في