ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي طبقة الزهري، وكان ذلك بتشجيع العباسيين.
وقد اعتبر ابن شهاب الزهري أول من دون الحديث، ولعل سبب ذلك أخذ بني أمية عنه - وجاء في تذكرة الحفاظ: أن خالد بن معدان الحمصي لقى 70 صحابيا. وكان يكتب الحديث وله مصنفات، ولكن لم يأت لهذه المصنفات ذكر في كتب الحديث، ومات ابن معدان سنة 104 ه.
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، بعد أن بين أن آثار النبي لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأنهم نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم: " ثم حدث في أواخر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار، لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض... إلخ.
وروى البخاري والترمذي عن أبي هريرة أنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب (1)، والمحدثون لا يعدون ما يوجد في صحيفة محدث أو عالم رواية صحيحة عنه إلا إن حدث أنه سمعها من صحابها ويسمونها " الوجادة ".
وقال العلامة الشيخ مصطفى عبد الرازق: " مما أكد الحاجة لتدوين السنن شيوع رواية الحديث وقلة الثقة ببعض الرواة وظهور الكذب في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسباب سياسية أو مذهبية - أما أول تدوين للسنن بالمعنى الحقيقي فيقع ما بين سنة 120 ه وسنة 150 ه (2).
لم يدونوا الحديث إلا مكرهين:
لما أمروا بتدوين الحديث لم يستجيبوا للأمر إلا مكرهين، ذلك بأنهم كانوا يتحرجون من كتابته بعد أن مضت سنة من كان قبلهم من الصحابة على عدم