عامة القرن الرابع وكسلوا عن طلب الحجج، جعلوا علماءهم حجة واتبعوهم، فصار بعضهم حنفيا وبعضهم مالكيا وبعضهم شافعيا، ينصرون الحجة بالرجال، ويعتقدون الصحة بالميلاد على ذلك المذهب، ثم كل قرن بعدهم اتبع عالمه كيف ما أصابه بلا تمييز حتى تبدلت السنن بالبدع فضل الحق بين الهوى (1).
الفقه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
قال ولي الله الدهلوي في رسالته " الإنصاف في بيان سبب الاختلاف ".
لم يكن الفقه في زمانه الشريف مدونا، ولم يكن البحث في الأحكام يومئذ مثل بحث هؤلاء الفقهاء حيث يبينون بأقصى جهدهم الأركان والشروط والآداب...
ويفرضون الصور من صنائعهم ويتكلمون عن تلك الصور المفروضة ويحدون ما يقبل الحد، ويحصرون ما يقبل الحصر إلى غير ذلك.
أما رسول الله فكان يتوضأ فيرى الصحابة وضوءه فيأخذون به من غير أن يبين أن هذا ركن وذلك أدب، وكان يصلي فيرون صلاته فيصلون كما رأوه يصلي (2) وحج فرمق الناس حجه ففعلوا كما فعل (3) وهذا كان غالب حاله صلى الله عليه وآله ولم يبين أن فروض الوضوء ستة أو أربعة، ولم يفرض أنه يحتمل أن يتوضأ إنسان بغير موالاة حتى يحكم عليه بالصحة أو الفساد إلا ما شاء الله، وقلما كانوا يسألونه عن هذه الأشياء.
عن ابن عباس قال: ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن، منهن: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، ويسألونك عن المحيض، قال: ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم - وقال القاسم إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها، وتنقرون عن أشياء ما كنا