كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح (1).
الأطوار التي تقلب فيها التدوين:
تبين لك فيما تقدم أن أحاديث رسول الله صلوات الله عليه لم تدون في حياته ولا في عصر الصحابة وكبار تابعيهم، وأن التدوين لم ينشأ إلا في القرن الثاني للهجرة في أواخر عهد بني أمية، وأنه لم يتخذ طريقا واحدا بل تقلب في أطوار مختلفة.
فكان في أول أمره جمعا من رواية الرواة مما وعت الذاكرة من أحاديث رسول الله، وكان ذلك في صحف لا يضمها مصنف جامع مبوب، وكانت هذه الصحف تضم مع الحديث فقها ونحوا ولغة وشعرا وما إلى ذلك، مما تقضي به طفولة التدوين، وهذا هو " الطور الأول " من التدوين ولم يصل إلينا منه شئ في كتاب خاص جامع ثم أخذ التدوين " طوره الثاني " في عصر العباسيين فهذب العلماء - بما اقتبسوا من مدينة فارس - ما في هذه الصحف ورتبوه، بعد أن ضموا إليه ما زادته الرواية في هذا العصر، وصنفوا من كل ذلك كتبا كسروها على الحديث وما يتصل به من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين ولم يدخلوا فيها أدبا ولا شعرا. وكان كثير من المتقدمين يطلقون اسم الحديث على ما يشمل آثار الصحابة والتابعين، وأخذ التدوين هذا النمط تبعا لارتقاء التأليف في العصر العباسي، وتميزت العلوم بعضها من بعض وجمعت مسائل كل علم على حدة، وظل التأليف يجري على هذا السنن إلى آخر المائة الثانية ولم يصل إلينا من الكتب المبوبة في هذا الطور إلا موطأ مالك رحمه الله.
وبعد المائة الثانية أخذ التدوين يسير في طريق أخرى دخل بها في " الطور الثالث " فأنشأ العلماء يفردون كل ما روى من الأحاديث في عهدهم بالتدوين بعد أن كان من قبل مشوبا بأقوال الصحابة وغيرهم - كما بينا - وصنفت في ذلك مسانيد كثيرة أشهرها مسند أحمد وهو لا يزال موجودا بيننا، وسنتحدث عنه عند