قد يكون ضمن الأسباب الصحيحة أن الهجرة لطلب الحديث في العصر العباسي وجمعه من مختلف الأمصار كانت أتم وأنشط، لكن ليس هذا كل السبب، بل من أكبر الأسباب في تضخم الحديث - الوضع - فاليهود والنصارى وغيرهم (1) من أهل الديانات الأخرى أدخلوا في الأحاديث أشياء كثيرة من دياناتهم وأخبارهم، فملئت الأحاديث بما في التوراة وحواشيها، وبعض أخبار النصرانية..
وبعض تعاليم الشعوبية كالأحاديث التي تدل على فضل الفرس والروم ا ه.
أبو هريرة لو كانت أحاديث رسول الله كلها من الدين العام - كالقرآن - لا يقوم إلا عليها، ولا يؤخذ إلا منها، وأنه يجب على كل مسلم أن يعرفها ويتبع ما فيها، كما يتبع ما في القرآن، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أمر أصحابه أن يحفظوا هذه الأحاديث لكي تؤثر من بعده - لكان أكثر الصحابة رواية لها، أعلاهم درجة في الدين، وأثبتهم قدما في الإيمان، وأسناهم مرتبة في العلم - ولكان المقلون منهم في الرواية دون المكثرين في رتبة الدين، ووراءهم في درجة العلم والفضل، وخلفهم في منزلة الاعتبار، ولكنا نجد الأمر - على ما بدا في كتب الحديث المعروفة - قد جرى على خلاف ذلك!! فإن أفضل الصحابة في المرتبة، وأرفعهم في المنزلة وأوسعهم علما بالدين، وأشدهم عناية به، وأقواهم حياطة له، الذين نيط بهم حمل أحكام الدين بما تلقوه عن أستاذهم الأكبر - كالخلفاء الراشدين والعشرة الذين قالوا إنه (صلى الله عليه وسلم) قد مات وهو راض عنهم - أو بشرهم بالجنة، وكبار المهاجرين والأنصار وغيرهم - كل أولئك كانوا أقل الصحابة تحديثا عنه، وأنزرهم رواية، حتى لقد بلغ الأمر ببعضهم أنه لم يرو عن الرسول حديثا واحدا!!
ولم يقف الأمر بهم عند ذلك فحسب، بل قد وجدنا كبار الصحابة يرغبون عن رواية الحديث وينهون إخوانهم عنها، ولقد أدى بهم فرط الاحتياط إلى أن كانوا