التبليغ ثم يظهر من سياق ما هو أحفظ منه أنه لم يوف بالمعنى. ا ه.
ولكي يزداد اليقين بما نجم من الضرر البالغ لعدم كتابة الحديث في حياته صلوات الله عليه، ومن أن هذا الحديث قد تغير لفظه وضاع الكثير منه - نسوق في ختام هذا الفصل دليلا من أقوى الأدلة على إثبات ما نقول، وهذا الدليل نأخذه مما فعلت الرواية في خطبة الوداع التي ألقاها النبي في آخر حياته - وبعد ثلاث وعشرين سنة من بعثته وأجمل فيها وصاياه العظيمة وتعاليمه الجليلة - وكانت هذه الخطبة في يوم مجموع له الصحابة كافة وكانوا حوال مائة وخمسين ألفا فقد كان المعقول واليقين أن تأتي هذه الخطبة الجامعة محفظة بألفاظها ومعانيها كما نطق النبي بها، وأن يحرص الصحابة جد الحرص على حفظها، وأن يؤدوها إلى من بعدهم كما سمعوها!
ولكنهم برغم ذلك كله قد تركوها بغير قيد كتابي أو ذهني يعبث الرواة بها.
ولو أنك اطلعت على ما نشر منها متناثرا في كتب الحديث المشهورة والسير الكبيرة ثم درستها دراسة لا تتأثر فيها بالعاطفة فإنك تجد ألفاظها متباينة ومعانيها مختلفة، وعباراتها غير مؤتلفة، مما يثير عندك الدهش، ويبعث العجب!
ومن عجيب أمر الذين يكابرون في أن الحديث قد روي بالمعنى ما يقرع آذانهم من جميع خطباء المساجد في أيام الجمع على مدار السنين من قولهم عندما يفرغون من تلاوة حديث الخطبة " أو كما قال! " حتى أصبحت هذه العبارة كأنها من أصل الحديث - فلم هذا الاحتياط - الواجب؟
ضرر الرواية بالمعنى من الناحية اللغوية والبلاغية هذا بعض ما قالوه في ضرر نقل الحديث بالمعنى في الأمور الدينية. أما الضرر اللغوي والبلاغي فقد بينه في عبارة وجيزة الأديب الإسلامي الكبير السيد مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، وذلك عند كلامه عن البلاغة النبوية في كتابه النفيس " إعجاز القرآن " قال رحمه الله (1): إن ألفاظ النبوة يعمرها قلب متصل بجلال خالقه، ويصقلها