الكذب ومنها " توهم الصدق " وهو كثير وإنما يجيئ في الأكثر من جهة الثقة بالناقلين ومنها " الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع " لأجل ما يداخلها من التلبيس والتصنع، فينقلها المخبر كما رآها وهي بالتصنع على غير الحق في نفسه، ومنها تقرب الناس في الأكثر لأصحاب التجلة والمراتب بالثناء والمدح، وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر بذلك فيستفيض الأخبار بها على غير حقيقة، فالنفوس مولعة بحب الثناء والناس متطلعون إلى الدنيا وأسبابها من جاه أو ثروة، وليسوا في الأكثر براغبين في الفضائل ولا متنافسين في أهلها، ومن الأسباب المقتضية له أيضا - وهي سابقة على جميع ما تقدم - الجهل بطبائع الأحوال في العمران، فإن كل حادث من الحوادث - ذاتا كان أو فعلا لا بد من طبيعة تخصه في ذاته، وفيما يعرض له من أحواله - فإذا كان السامع عارفا بطبائع الحوادث والأحوال في الوجود ومقتضياتها أعانه ذلك في تمحيص الخبر على تمييز الصدق من الكذب، وهذا أبلغ في التمحيص من كل وجه يعرض - وكثيرا ما يعرض للسامعين قبول الأخبار المستحيلة وينقلونها وتؤثر عنهم (1).
تمحيص الأخبار بمعرفة طبائع العمران سابق على التمحيص بتعديل الرواة:
وقال: وأحسن الوجوه وأوثقها في تمحيص الأخبار إنما هو بمعرفة طبائع العمران وتمييز صدقها من كذبها. وهو سابق على التمحيص بتعديل الرواة، ولا يرجع إلى تعديل الرواة، حتى يعلم أن ذلك الخبر في نفسه، ممكن أو ممتنع، وأما إذا كان مستحيلا فلا فائدة، للنظر في التعديل والتجريح - ولقد عد أهل النظر من المطاعن في الخبر استحالة مدلول اللفظ وتأويله بما لا يقبله العقل، وإنما كان التعديل والتجريح هو المعتبر في صحة الأخبار الشرعية، لأن معظمها تكاليف إنشائية أوجب الشارع العمل بها حتى حصل الظن بصدقها، وسبيل صحة الظن الثقة بالرواة بالعدالة والضبط ا ه (2).