ونحن نقول إن قرن النبي صلوات الله عليه وقع فيه من الأحداث الجسام ما وقع مثل فتنة عثمان وما جرت على المسلمين من بلايا، ومثل ما فعل الأمويون في حكمهم من تقويض قاعدة الشورى في الإسلام! ولا نطيل بذكر ما وقع في هذا القرن مما سجله التاريخ على صفحاته.
ومن أجل ذلك نرجح أن الحديث الصحيح الذي يتفق مع روح الرسالة المحمدية هو حديث " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره ".
هذا والأحاديث المتناقضة كثيرة تؤلف منها كتب كتابة القرآن رأينا قبل أن نعرض للكلام عن كتابة الحديث، أن نأتي بفذلكة وجيزة من تأريخ جمع القرآن وكتابته لنبين كيف كانت عناية الرسول صلى الله عليه وآله وكذا صحابته من بعده بكتابة هذا الكتاب العظيم، وكيف كانوا يبالغون في التدقيق في جمعه وحفظه حتى أوفوا على الغاية من الكمال، وخرج إلى الناس في أصدق صورة بلغها كتاب على مد الزمن كله، وبذلك استحق صفة التواتر الصحيح الذي لا يمترى فيه إنسان، ولا يختلف عليه اثنان. وتلقاه المسلمون جميعا في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف مذاهبهم بالثقة التامة واليقين الكامل، لا يشذ في ذلك منهم أحد.
ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد عنى بكتابة الحديث كما عنى بكتابة القرآن وعنى الصحابة من بعده بكتابته، لجاءت أحاديث الرسول كلها متواترة في لفظها ومعناها، ليس شئ فيها اسمه صحيح، ولا شئ اسمه حسن، ولا شئ اسمه ضعيف، ولا غير ذلك من الأسماء التي اخترعوها مما لم يكن معروفا زمن النبي وصحابته، وبذلك كان يرتفع الخلاف في حقيقته، وينحط عن كاهل العلماء أعباء البحث عن صحته، ووضع المؤلفات الكثيرة التي صنفت في " علوم الحديث " والبحث عن أحوال الرواة، من حيث العدالة والضبط والجرح والتعديل وغير ذلك، وكان فقهاء الدين يسيرون على نهج واحد لا اختلاف بينهم في أصله ولا تباين،