بعثت بجوامع الكلم وقال ابن حجر العسقلاني في شرح قول الرسول صلوات الله عليه: " بعثت بجوامع الكلم " من فتح الباري (1) ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا، أوحاه الله إلى، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة.
معنى الحصر في قوله " إنما كان الذي أوتيته ": أن القرآن أعظم المعجزات وأفيدها وأدومها، لاشتماله على الدعوة والحجة ودوام الانتفاع إلى آخر الدهر - فلما كان لا شئ يقاربه فضلا عن أن يساويه، وكان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع، قيل: يؤخذ من إيراد البخاري هذا الحديث عقب الذي قبله - أي بعثت بجوامع الكلم - أن الراجح عنده أن المراد بجوامع الكلم القرآن، وليس ذلك بلازم، فإن دخول القرآن في قوله: " بعثت بجوامع الكلم " لا شك فيه - وإنما النزاع هل يدخل غيره من كلامه من غير القرآن؟ وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلام في القرآن قوله تعالى:
" ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "، وقوله: " ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " إلى غير ذلك. ومن أمثلة جوامع الكلام من الأحاديث النبوية حديث عائشة: " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " وحديث " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل "، وحديث " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وحديث المقدام " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه " إلى غير ذلك مما يكثر بالتتبع وإنما يسلم ذلك فيما لم تتصرف الرواة في ألفاظه، والطريق إلى معرفة ذلك أن تقل مخارج الحديث وتتفق ألفاظه، وإلا فإن مخارج الحديث إذا كثرت قل أن تتفق ألفاظه لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى بحسب ما يظهر لأحدهم أنه واف به، والحاصل لأكثرهم على ذلك إنهم كانوا - لا يكتبون ويطول الزمان فيتعلق المعنى بالذهن فيرتسم فيه، ولا يستحضر اللفظ فيحدث بالمعنى لمصلحة