طلب الحديث بدون فقه وما نبز به المشتغلون بالحديث بقي أمر لا يصح لنا أن نغفل الكلام فيه، ذلك هو أمر طلب الحديث في العصور المتأخرة، لأنه مما يتصل بموضوع كتابنا.
قال أبو عمر بن عبد البر:
أما طلب الحديث على ما يطلبه كثير من أهل عصرنا (1) اليوم دون تفقه فيه ولا تدبر لمعانيه، فمكروه عند جماعة أهل العلم (2).
وقال الذهبي في كتابه (3) " بيان زغل العلم والطلب عن علم الحديث ":
وأما المحدثون فغالبهم لا يفهمون، ولا همة لهم في معرفة الحديث، ولا في التدين به... معذور سفيان الثوري فيما يقول: لو كان الحديث خيرا لذهب كما ذهب الخير! (نص كلام سفيان: لو كان هذا الحديث خيرا لنقص كما ينقص الخير لكنه شر فأراه يزيد كما يزيد الشر) صدق والله! وأي خير في حديث مخلوط صحيحه بواهيه، أنت لا تفليه، ولا تبحث عن ناقليه، ولا تدين الله تعالى به..
إلى أن قال: بالله خلونا فقد بقينا ضحكة لأولي العقول، ينظرون إلينا ويقولون هؤلاء هم أهل الحديث!!
وبعد أن تكلم عن سير الرواية وكبار الرواة في العصور الأولى قال: ثم تناقص هذا الشأن في المائة الرابعة بالنسبة إلى المائة الثالثة. ولم يزل ينقص إلى اليوم، فأفضل من في وقتنا اليوم من المحدثين على قلتهم، نظير صغار من كان في ذلك الزمان على كثرتهم، وكم من رجل مشهور بالفقه وبالرأي في الزمن القديم أفضل في