وفي خاص الخاص للثعالبي (1):
كان أبو هريرة يقول: ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخبز الحار، وما رأيت فارسا أحسن من زبد على تمر . قد جعل أبو هريرة الأكل من المروءة، فقد سئل: ما المروءة؟ قال:
تقوى الله وإصلاح الصنيعة، والغداء والعشاء بالأفنية.
وقد أضربنا عن أخبار كثيرة لأن في بعضها ما يزيد في إيلام بعض الناس.
حديث زر غبا تزدد حبا:
قال رسول صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ذات يوم: زر غبا تزدد حبا، وقد كان صلوات الله عليه نعم المؤدب لأصحابه، وكان دائما يتولاهم بحكمته، ويغرس فيهم مكارم أخلاقه بسيرته، وما كان له (صلى الله عليه وسلم) أن يذر مثل أبي هريرة على ما كان عليه من غشيان البيوت في كل وقت، يقبله هذا ويصده ذاك، من غير أن يؤدبه بأدبه العالي، وكان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال له: أين كنت أمس يا أبا هريرة؟ قال زرت أناسا من أهلي، فقال يا أبا هريرة: زر غبا تزدد حبا.
وقد ذكر أبو حيان التوحيدي في كتابه " الصداقة والصديق " قال أبو هريرة:
لقد دارت كلمة العرب " زر غبا تزدد حبا " إلى أن سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " ولقد قالها لي ".
قال العسجدي: " ليست هذه الكلمة محمولة على العام، ولكن لها مواضع يجب أن تقال فيها، لأن الزائر يستحقها! ألا ترى أنه صلوات الله عليه لا يقول ذلك لأبي بكر، ولا لعلي بن أبي طالب وأشباههما، فأما أبو هريرة فأهل ذاك!
لبعض الهنات التي يلزمه أن يكون مجانبا لها، وحائدا عنها (2) ".
وهنات أبي هريرة التي يغمزه بها العسجدي، أنه كان لنهمه يغشي بيوت الصحابة في كل وقت، وكان بعضهم يزور عنه، وينزوي منه، فأراد الرسول أن يلقي عليه درسا في أدب الزيارة وغشيان البيوت، فذكر له المثل العربي " زر غبا تزدد حبا ". وكان صلوات الله عليه لا يفتأ يتعهد أصحابه بالتأديب وتحرى حسن الخلق.