كان هؤلاء هم أولى الناس بأن يؤثرهم النبي بما لا يريد أن يظهره لأحد من سائر أصحابه، وإذا كان هناك أمر يريد أن يسره لأحد من خواصه.
ومن هو أبو هريرة حتى يؤثره النبي بشئ يخصه به ويكتمه ويخفيه عن أصفيائه وأحبابه وأقرب الناس إليه؟! إنه لم يكن له أي فضل يدنو به إلى النبي - ولا عد بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى من أية طبقة (1) من طبقات الصحابة، فلا هو من السابقين الأولين ولا من المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا من المجاهدين بأموالهم أو بأنفسهم (2) ولا في النقباء، ولا من العرفاء، ولا من الكملة في الجاهلية وأول الإسلام، ولا من شعراء النبي الذين نافحوا عنه ولا من المفتين، ولا من القراء - الذين حفظوا القرآن - ولا جاء في فضله حديث عن الرسول (3)، وكل ما عرف عنه أنه كان من أهل الصفة لا أكثر ولا أقل!
تشيع أبي هريرة لبني أمية:
علمت مما كشفناه لك من تاريخ أبي هريرة أنه لم يصاحب النبي إلا على ملء بطنه، كما ذكر هو مرارا عن نفسه، وأنه قد اتخذ الصفة ملاذا له لفقره، يأكل فيها كما يأكل سائر أهلها، أو يأكل عند النبي أو عند أحد أصحابه.
ومن كان هذا شأنه لا يكون ولا جرم إلا من عامة الصحابة لا شأن له ولا خطر، وقد ظل على ذلك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر - ثم أخذ يظهر في زمن عثمان بعد انزوائه، ويبدو للناس بعد خفائه.