التدوين في العصر العباسي وقال السكندري:
هب العلماء في العصر العباسي إلى تهذيب ما كتب في الصحف وتدوين ما حفظ في الصدور، ورتبوه وبوبوه وصنفوه كتبا، وكان من أقوى الأسباب في إقبال العلماء على التصنيف في هذا العصر حث الخليفة أبي جعفر المنصور (1) عليه وحمله الأئمة الفقهاء على جمع الحديث، والفقه، وأنه قد بذل - على بخله - في هذا السبيل أموالا طائلة، وذكروا أن عنايته بالعلم لم تقف عند تعضيد العلوم الإسلامية، بل إنه حمل العلماء والمترجمين من السريان والفرس أن ينقلوا إلى العربية من الفارسية واليونانية علوم الطب والسياسة والحكمة والفلك والتنجيم والآداب والمنطق وغيرها (2). فكان بذلك أول حاكم ترجمت له الكتب من اللغات الأخرى إلى العربية، على أن عنايته بالحديث وجمعه وتدوينه كانت فائقة، حتى لقد قيل له:
هل بقي من لذات الدنيا شئ لم تنله؟ فقال: بقيت خصلة، أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث. وهو الذي أشار على مالك بن أنس أن يضع كتاب " الموطأ " في بعض الروايات.
وقال الصولي: كان المنصور أعلم الناس بالحديث والأنساب.
ولا عجب في أن يكثر رجال الحديث في عهد المنصور ولا في أن يشتد العلماء في طلب آثار الرسول وفي أن يرغبوا في جمعها وتدوينها، وقد قال عمر بن عبد العزيز إن السلطان بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان برا أتوه ببرهم، وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم (3)، قال ابن تغرى بردى في حوادث 143 ما يلي:
قال الذهبي: وفي هذا العصر (سنة 143 ه) شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث