لسان نزل عليه القرآن بحقائقه، فهي إن لم تكن من الوحي، فقد جاءت من سبيله، وإن لم يكن لها منه دليل فقد كانت هي من دليله.
محكمة الفصول، حتى ليس فيها عروة مفصولة، محذوفة الفضول، حتى ليس فيها كلمة مفضولة، وكأنما هي في اختصارها وإفادتها نبض قلب يتكلم، وإنما هي في سموها وإجادتها مظهر من خواطره صلى الله عليه وسلم "... إلخ (1). وقال وهو يتحدث عن نسق البلاغة النبوية: " ليس كل ما يروى على أنه حديث يكون من كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) بألفاظه وعبارته، بل من الأحاديث ما يروى بالمعنى، فتكون ألفاظه أو بعضها لمن أسندت إليه في النقل، ولجواز الرواية بالمعنى لم يستشهد سيبويه وغيره من أئمة المصرين (أي البصرة والكوفة) على النحو واللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك على القرآن وصحيح النقل عن العرب، ولو كان التدوين شائعا في الصدر الأول، وتيسر لهم أن يدونوا كل ما سمعوه من النبي (صلى الله عليه وسلم)، بألفاظه وصوغه، وبيانه، لكان لهذه اللغة شأن غير شأنها ".
وقد كان الأصل عندهم أن يضبط المحدث معنى الحديث، فأما الألفاظ فمنها ما يتفق لهم بنصه، وخاصة في الأحاديث القصار، وفي حكمه وأمثاله (صلى الله عليه وسلم)، ومنها ما لا يتفق فيلبسه الراوية من عبارته، حتى قال سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى (2).
وقد أطلنا القول في هذا الباب، لأنه من الأبواب المهمة في هذا الكتاب.
اللحن والخطأ في الحديث بعد أن أباحوا لأنفسهم رواية الحديث بالمعنى، سوغوا كذلك أن يأتي الحديث ملحونا، ولا يرون بأسا في إصلاح لحنه وخطئه.
قال حافظ المغرب ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم وفضله " (3):